التقرير الاقتصادي لـ"فانا"عن لبنان: عهد النهوض بلبنان بدأ وقطار الاصلاحات انطلق -- Jul 09 , 2025 9
عمّم "اتحاد وكالات الأنباء العربية" (فانا)، ضمن الملف الاقتصادي، تقريرا أعدته الزميلة في "الوكالة الوطنية للاعلام" اميمة شمس الدين جاء فيه:
بعد نحو ستة اعوام على الأزمة عاد الأمل بالنهوض بلبنان، أمل بدأ مع العهد الجديد، عهد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وحكومة برئاسة القاضي نواف سلام اخذت على عاتقها تطبيق الإصلاحات لتتمكن من الحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي ودعم سائر الدول والمنظمات الدولية.
فقد بادرت وزارة الاقتصاد إلى وضع خطط وبرنامج لكل الملفات والقطاعات الاقتصادية والمعيشية يشرف على تنفيذها وزير ذو كفاءة عالية ورؤية واضحة للمستقبل، إنه الوزير الدكتور عامر بساط الذي تحدث إلى "
الوكالة الوطنية للاعلام" عن برنامجه وخطة وزارة الاقتصاد و كيفية الخروج من الأزمة.
"لا يمكن القول إن الاقتصاد اللبناني في وضع سليم انه ليس حيث يجب أن يكون. نحن لا نجمّل الواقع، الاقتصاد لا يزال يعاني أزمة عميقة، وهيكليّة، أثّرت على كل بيت وكل قطاع، من تآكل القدرة الشرائية إلى تراجع الإنتاج، إلى أزمة الودائع . الحقيقة أننا لا زلنا في خضم الأزمة، ولسنا بعد في مرحلة التعافي الفعلي"، قال الوزير بساط. لكنه اكد بلهجة تفاؤلية أن "هناك بوادر مهمة نراها بوضوح رغم الأوجاع على الأرض. للمرة الأولى منذ أعوام، هناك امور تشير الى ان الحكومة تتعامل مع الأزمة الاقتصادية بشكل جدي. وأظن ان اللبنانيين والمجتمع الدولي، بدأوا ينظرون الينا كفريق يعمل بجدّ ويسعى بصدق لتغيير المسار".
أضاف : "نلمس تجاوبًا فعليًا من مؤسسات دولية ووكالات تمويلية كانت غائبة أو مترددة. كما نشهد انخراطًا جديدًا من رجال الأعمال والصناعيين والمستثمرين المحليين في رؤية إصلاحية. هذا وحده لا يكفي طبعًا، لكنّه عامل ثقة جديد لم نره بهذا الوضوح منذ أعوام".
ورأى أن" إيجابية هذا المشهد تكمن في تغيير اللهجة، وتحريك النية، وتوسيع دوائر العمل الجدي على حلول مستدامة".
أما بالنسبة الى السلبيات، فتحدث وزير الاقتصاد والتجارة عن "استمرار التباطؤ في بعض مؤسسات الدولة، وتراجع ثقة الناس بالسياسة العامة، وقال:"هذا ما نعمل على معالجته بكل الوسائل المتاحة".
تابع:" لا ينسينّ احد ان الحكومة تسلّمت مهامها في ظروف دقيقة للغاية، وسط أزمة اقتصادية ـ اجتماعية غير مسبوقة، وانعدام شبه كامل للثقة بين الدولة والمواطن. ومع ذلك، أقول بثقة إننا بدأنا بوضع اليد على ملفات أساسية، وأدخلنا إصلاحات فعلية في بعض المسارات الاقتصادية والإدارية، وخصوصًا في الملف المصرفي (من خلال رفع السرية المصرفية ووضع إطار قانوني لإعادة هيكلة المصارف)، وكذلك في ملفات التعيينات والحوكمة الاقتصادية".
واوضح ان "العمل لا يزال في بدايته، والطريق طويلة، ولكن ما يبعث على الأمل هو أن كل الوزراء اليوم يعملون بجدية وانسجام واضح، وكلٌّ يركّز على ملفه ضمن هدف مشترك: تنفيذ الحد الأدنى من الإصلاحات التي يحتاجها كل قطاع في الدولة، لدينا فريق حكومي على قدر عالٍ من الكفاءة، متجانس تقنيًا، وكل وزير يعرف أولويات وزارته ويعمل عليها من دون تضييع للوقت، والاهم التنسيق الفعلي بين الوزارات، ووزارة الاقتصاد تقود حاليًا مسار إعداد وثيقة الرؤية الاقتصادية المتوسطة المدى بالتعاون مع كل الوزارات المعنية، بهدف خلق مقاربة وطنية شاملة ومتكاملة للنهوض".
"أما التحديات فحقيقية" كشف الوزير بساط، "من التعقيدات الإدارية، وضغط الوقت، والانقسامات السياسية التقليدية، لكن الأكيد أننا نواجهها اليوم بفريق جاد، متماسك، ومصمم على تحقيق نتائج فعلية، ولو ضمن هامش زمني محدود".
اما بالنسبة الى خطة الوزارة فقال:" نعمل على سبع ملفات استراتيجية متوازية، تشكّل الأساس لتحريك العجلة الاقتصادية واستعادة الثقة. الملفات هي:
1. صياغة رؤية اقتصادية متوسطة المدى حتى 2035
2. حماية المستهلك: ضبط الأسواق والأسعار، من خلال تفعيل الرقابة الميدانية وتعزيز آليات حماية المستهلك، إلى جانب مسار هيكلي لتثبيت الاستقرار عبر المنافسة العادلة.
3. قانون المنافسة.
4. دعم القطاع الخاص، من خلال تحسين بيئة الأعمال، إنشاء نظام "النافذة الواحدة" (One Stop Shop)، وتعزيز التجارة الخارجية، وتحفيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. بالاضافة إلى تنشيط الائتمان وتوفير التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة (SMEs)، كأحد أعمدة النمو الاقتصادي المستدام.
5. إصلاح قطاع التأمين.
6. الإهراءات: من حيث السلامة البيئية والنصب التذكاري وخطة بناء جديدة ضمن استراتيجية الأمن الغذائي،
7. معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس الذي نعمل على إعادة تفعيله اقتصاديًا وسياحيًا بالشراكة مع القطاع الخاص".
بناء على ذلك، كشف الوزير انه يقود حاليًا "دراسة متكاملة لوضع رؤية اقتصادية متوسطة المدى للبنان، على أفق 2035، تقوم على العدالة الإنتاجية، والقدرة التنافسية، والنمو المستدام". وقال:"من هذا المنطلق، بدأنا بالتواصل المباشر مع كل الوزارات المعنية، لأن دور وزارة الاقتصاد ليس تقنيًا فقط، بل تنسيقي ورؤيوي بامتياز، وهي مؤهلة لقيادة الورشة الوطنية الشاملة".
تابع: "هدفنا بناء اقتصاد متوازن لا يقوم فقط على الدعم الخارجي، بل على قدراتنا الذاتية واستثمار طاقاتنا البشرية والمادية بشكل عادل ومنتج".
وفي معرض سؤاله : أين أصبحت المفاوضات مع صندوق النقد، وهل يمكن إنجاز الاتفاق رغم قِصر عمر الحكومة؟ أجاب: " نؤمن أن أي برنامج مع صندوق النقد الدولي يجب أن يعكس أولًا وأخيرًا أولوياتنا الوطنية، لا أن يُفرض علينا من الخارج. نحن بحاجة الى هذا الاتفاق لأننا بحاجة إلى استعادة المصداقية التي فقدتها الدولة اللبنانية في الاعوام الماضية، لكن هذا سيكون برنامجنا نحن، نحدّد مضمونه بما يتوافق مع مصالحنا، ونرفض إدخال أي بند لا يصب في مصلحة لبنان واقتصاده وشعبه. الاتفاق مع صندوق النقد ليس خطوة إدارية أو ورقة تُوقّع — بل هو مسار تفاوضي شامل ومعقّد، يتطلّب توافر عدد من الشروط الإصلاحية، والسياسية، والتشريعية، ولا يمكن إنجازه بقرار من طرف واحد".
اضاف:" شاركت شخصيًا في العمل على ملفات عدة مع صندوق النقد سابقًا، في حالات مشابهة للحال اللبنانية، وأستطيع أن أؤكد أن هذا النوع من المفاوضات يأخذ وقتًا طبيعيًا، ويمر في مراحل عدة وجولات تفاوضية متعاقبة. ما نقوم به حاليًا هو وضع أرضية صلبة، تقنيًا وسياسيًا، للجولة التالية من النقاشات، التي أتوقّع أن تتكثّف في الأشهر المقبلة.
نتابع مع الصندوق من خلال اجتماعات تقنية منتظمة، ونركّز على تقديم مقاربة واقعية ومنسّقة لكل ملف، بما فيه إعادة هيكلة القطاع المصرفي، السياسة النقدية، السياسة المالية، والعدالة في توزيع الخسائر، وإن كان عمر الحكومة محدود، لكننا نعمل بوتيرة متسارعة لتقديم أكبر قدر ممكن من التقدّم، وخصوصًا أن أي اتفاق مع صندوق النقد ليس هدفًا بحدّ ذاته، بل وسيلة لإعادة بناء الثقة — ثقة المواطن أولًا، وثقة الشركاء الدوليين ثانياً".
اما بالنسبة الى ارتفاع الاسعار رغم استقرار سعر صرف الدولار، فأكد تفهمه لوجع الناس، وقال:"لا بد من التوضيح أن جزء من المشكلة هيكلي ولا يمكن إصلاحه في شكل سريع:
بداية، اقتصادنا استيرادي بامتياز ونحن لا ننتج معظم استهلاكنا والنتيجة، طبعا ان الأسعار محليا تعكس الأسعار العالمية. من جهة أخرى، كلفة الإنتاج في لبنان مرتفعة جدًا. على سبيل المثال، كلفة الكهرباء التي يدفعها الصناعي أو التاجر في لبنان تصل إلى نحو 30 سنتًا للكيلو وات، مقابل نحو 5 سنتات في مصر. وهذا الفرق الهائل في كلفة الطاقة ينعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات. بالاضافة إلى ذلك، العديد من الملفات القطاعية بحاجة الى إعادة هيكلة وتنظيم، من الاستيراد إلى النقل، إلى الحماية الجمركية، فضعف سلاسل التوزيع، وهي كلها عوامل ترفع الكلفة النهائية على المواطن".
واكد "قيام الوزارة بدورها في ضبط الأسواق قدر الإمكان، ضمن إمكانات محدودة جدًا"، لافتًا الى انه " ليس لديها أكثر من 70 مراقبًا ومفتّشًا ناشطين على الأرض، يغطّون كل الأراضي اللبنانية، عدد غير كافٍ، لكن رغم ذلك، قمنا بتكثيف الجولات الرقابية، ورفع وتيرة الضبط، ونعمل بالتنسيق المباشر مع وزارة العدل على إحالة كل من يثبت عليه التلاعب أو الاحتكار إلى القضاء المختص".
وقال:"نعمل على مشروع قانون جديد نعدّه لزيادة الغرامات المفروضة على المخالفين، لأن الغرامات الحالية ضعيفة ولا تردع. في هذا الإطار، يشكّل تطبيق قانون المنافسة خطوة محورية لتحسين هيكلية الأسواق في لبنان، ومواءمة بيئتنا الاقتصادية مع أفضل الممارسات الدولية في مجال مكافحة الاحتكار، هذا القانون يحمل في طيّاته إمكانات كبيرة، إذ من شأنه أن يسهم في تنظيم آليات التسعير بطريقة تساعد على احتواء الضغوط التضخمية، وفي الحد من الممارسات الريعية التي تؤدي إلى هدر الموارد، كما يعزّز كفاءة تخصيصها، ويخفض كلفة الإنتاج، ويدفع نحو تعزيز التنافسية، ما يُحسن من الجدوى الاقتصادية للاستثمارات القائمة والجديدة".
وإذ اشار الى ان " إقرار القانون لا يكفي وحده"، رأى ان "التطبيق الجدي يتطلب خطوات مؤسساتية واضحة اذ نعمل حاليًا على تشكيل هيئة للمنافسة تتكوّن من كفاءات تتمتع بالنزاهة والاستقلالية، وتلتزم مدوّنة سلوك واضحة، كما سيُناط بها إعداد المراسيم التطبيقية اللازمة لوضع القانون موضع التنفيذ الكامل". وكشف أن "الوزارة بصدد إنشاء وحدة تقنية متخصصة تُعنى بعمليات الرصد والتحقيق، وتؤمّن دعمًا تحليليًا ومنهجيًا لعمل الهيئة ومجلسها التنفيذي. هذا المسار، نظرًا الى طابعه البنيوي وأثره العميق على بنية الاقتصاد الوطني، يتطلب وقتًا واستثمارًا جادًا في الموارد، ونحن ملتزمون تنفيذه بمنهجية دقيقة تمتد لسنة كاملة، ضمن خطة عمل واضحة ومدروسة".
ولفت الى ان " لبنان يمرّ بأزمة عميقة وطويلة، وهذا لا يمكن إنكاره. لكن بالمقابل، نحن بلد يملك طاقات هائلة وإمكانات اقتصادية غير مستثمرة بعد من الكفاءات البشرية، إلى موقعه الجغرافي، إلى وجوده الاغترابي، وإلى قدراته الإنتاجية في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات "، وأكد انه "إذا سرنا في المسار الصحيح، وواصلنا تطبيق الإصلاحات المطلوبة بكل جدية، فأنا على قناعة بأننا قادرون على مضاعفة حجم الاقتصاد اللبناني خلال العقد المقبل، وزيادة تنافسيته، واسترجاع موقعه الطبيعي في المنطقة، وهذه ليست وعودًا عشوائية، بل أرقام تستند إلى دراسات واقعية وإلى ما بدأنا نلمسه من تجاوب محلي ودولي".
و إذ أشار البساط إلى أن "التعافي لن يحصل بين ليلة وضحاها، وهذه المرحلة تتطلب صبرًا"، أكد "أننا اليوم على المسار الصحيح، ونعمل بجهد على تحويل هذه اللحظة إلى فرصة، والاستفادة من نافذة الانفتاح الدولي والإقليمي التي فُتحت أمام لبنان".
اما بالنسبة الى اموال المودعين فلفت الى ان "الملف يُدار بالدرجة الأولى من وزارة المال، التي تقوم بعمل جدّي ومسؤول في هذا المجال، بالاضافة إلى مصرف لبنان المعني مباشرةً بالسياسة النقدية والمصرفية"، لافتاً الى انه "شخصيًا يشارك في النقاشات الدائرة ضمن الفريق الحكومي، وبتابع الملف من موقع وزارة الاقتصاد، لكن من المهم أن نوضح أن الوزارة لا تُدير الملف مباشرة".
ورأى ان "معالجة أزمة المودعين تمرّ بثلاث مراحل مترابطة: أولًا، إقرار قانون رفع السرية المصرفية، وقد تحقق ذلك وهو خطوة أساسية باتجاه الشفافية والمحاسبة. ثانيًا، إقرار إطار قانوني وتنظيمي جديد، يضمن عدم تكرار هذه الكارثة في
المستقبل، عبر تحديث القوانين المالية، وضبط عمل المصارف، وتعزيز صلاحيات الجهات الرقابية . هذه المرحلة قد تكون تقنية ومملة في تفاصيلها، لكنها ضرورية وأساسية لبناء الثقة مجددًا. ثالثا، وهي الخطوة الأهم، وضع تصور عادل وواضح للأزمة الراهنة والذي يهدف إلى إيجاد حل عادل لأزمة المودعين وإعادة التعافي للقطاع المصرفي، وهذا التصور ما زال قيد النقاش الحذر، لأنه يتطلب توازنًا دقيقًا بين حقوق الناس وإمكانات الدولة والقطاع المصرفي".
الأزمة لا بد أن تنتهي ،نستبشر خيرا بالعهد الجديد وبالشفافية الموعودة التي بدأ اللبنانيون يلمسون نتائجها ولو ببطء.